اليوم: الخميس-28 سبتمبر 2023 08:16 م

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين ، جامعة عدن ه...
يدشن مركز المرأة للبحوث والتدريب في جامعة عدن موقعه الإلكتروني الجديد كانجاز تقني متميز يضاف إلى الوسائل الع...

روابط وملفات هامة

  • DED - Deutscher Entwicklungsdienst 
  • Nuffic - Home
  • GTZ. Startseite
  • UN Economic and Social Commission
  • UNFPA - Yemen
  • UN Development Fund for Women
  • WEP working group
  • مركز المرأة العربية للتدريب والبحوث "كوثر"
  • مركز دراسات مشاركة المرأة العربية
  • منظمة المرأة العربية

إعــلانــــــــات

الخميس, 02, أكتوبر, 2014
كُتب بواسطة : د هدى علي علوي

إن الموقف من المرأة عموماً لا زال محكوم بجملة ظروف وتداعيات جعلته دائماً حبيس المنهج التفسيري الجامد الذي ترسخ على مدى قرون بفعل اختلاط الفكر الديني بالمورثات الشعبية والعادات الاجتماعية لأن ذلك لا محالة, من شأنه أن يفضي إلى اضطراب كبير في فهم النصوص, حيث يبدو الفكر الديني كما لو كان موروثاً شعبياً أو يظهر الموروث الثقافي في مكانه هو الحكم الشرعي.

لقد هيمنت الحركة الإسلامية باتجاهاتها الفكرية المختلفة ورؤاها الاجتهادية المتباينة على الوعي المجتمعي العربي عموماً واليمني على وجه الخصوص العقود الثلاثة الأخيرة, واستقطب خطابه دون شك شرائح عريضة من المجتمع, كما شكلت أطروحات وأدبياتها بإضاءتها وإرهاصاتها أرضية خصبة لجدل كبير وحالة من الحراك الفكري والثقافي المستمرة حتى اللحظة.

وإذا كان يحكم على المقصد الإسلامي بأفعال المسلمين, فيمكن الإقرار بواقع عدم مساواة المرأة بالرجل في الإسلام, لكن القبول بعدم المساواة كأساس للإيمان بالإسلام يتطلب وجود دلالة صريحة, مع الأخذ بالاعتبار إشكالية التفسير الديني الذي أخفق حياناً في مواكبة متطلبات التحديث فأحدث خللاً في شرح بعض الأحكام وغايتها, لا سيما وأن جوانب هذا التفسير تستدعي بالضرورة تمثل العلم المسمى (بأسباب النزول) الذي كما أن طبيعة الإسلام العالمية تفترض تجاوزه للتاريخ حيث أن موقعه في مرحلة من التاريخ لا يستنزف أبداً أثره العلمي.

تمهيد: 

لأضحت قضية المرأة منذ نهاية القرن الماضي موصولة بمشروع التغيير, حيث ارتبط مسارها بعملية التحديث الشاملة وتحقيق الإصلاحات السياسية والاجتماعية والاقتصادية في مختلف النواحي.

ويلاحظ المتابع لإشكاليات الشأن النسائي في الواقع المعاصر تبلور مؤشرات جديدة دالة على الطفرة التي طرأت على لغة الخطاب الرسمي النهضوي ونوعية التحول الذي عرفته هذه القضية عندما أخذت طابعاً مؤسسياً, كما كان لانخراط النساء في الجمعيات المدنية التي تعنى بالعمل الحقوقي والثقافي والاجتماعي دور في إعادة تأهيل المجتمع ونشر ثقافة حقوق المرأة وتبديد الصورة النمطية عنها, في محاولة لانتشالها من براثن الظلم وويلات القهر الذي كابدته منذ مئات السنين.

لقد وهب الله المرأة كما وهب الرجل القدرات والمواهب التي تطفي لتحمل كل منها المسؤوليات والتي كل من العنصرين للقيام بالتصرفات الإنسانية العامة والخاصة المناسبة له, ومن هنا جاءت أحكام الشريعة تساوي بينهما في التكاليف الشرعية وتضعهما في إطار واحد.

ولا شك أن العدل سنة كونيه أقام الله السموات والأرض عيهما, فلا يمكن أن تبنى الحضارات ولا تنهض المدنيات إلا في ظلها, والإسلام كعقيدة ينبثق عنها نظام دقيق وكامل للإنسان والكون, وشريعة تنتظم بها كل مجالات الحياة, فقد رسخت أحكامه فيما لا يدع أي مجال للشك كل قيم العدل والمساواة بين البشر باعتبارها ثوابت يقوم هذا الدين.

ويقول عز وجل في كتابه الكريم:

ﭧ ﭨ ﭽ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﭼ.( )

إن الموقف من المرأة عموماً لا زال محكوم بجملة ظروف وتداعيات جعلته دائماً حبيس المنهج التفسيري الجامد الذي ترسخ على مدى قرون بفعل اختلاط الفكر الديني بالمورثات الشعبية والعادات الاجتماعية لأن ذلك لا محالة, من شأنه أن يفضي إلى اضطراب كبير في فهم النصوص, حيث يبدو الفكر الديني كما لو كان موروثاً شعبياً أو يظهر الموروث الثقافي وكأنه هو الحكم الشرعي.

خطاب الحركة الإسلامية تجاه المرأة:

لقد هيمنت الحركة الإسلامية باتجاهاتها الفكرية المختلفة ورؤاها الاجتهادية المتباينة على الوعي المجتمعي العربي عموماً واليمني على وجه الخصوص خلال العقود الثلاثة الأخيرة, واستقطب خطابها دون شك شرائح عريضة من المجتمع, كما شكلت أطروحاتها وأدبياتها بإضاءاتها وإرهاصاتها أرضية خصبة لجدل كبير وحالة من الحراك الفكري والثقافي المستمر حتى اللحظة.

وغني عن البيان أنه لما كانت قضية المرأة مثل بارز يجسد موقف الغلو والتقصير والإفراط والتفريط فإن خطاب الحركة بصدد قضايا المرأة لم تكن يجري على وتيرة واحدة, إذ تفاوتت أصواتها المنادية أو المناهضة لحقوق النساء تصاعداً وخفوتاً, فاصطدمت برامجها وأهدافها مرات عدة واحترمت الخلافات فيما بينها حد الوقوع في شرك المحظور فتبادلت الاتهامات بالتخوين والتكفير إلى الشطط وتغليب نوازع الفكر الحزبي على الغايات الشرعية, الأمر الذي انعكس فيما يعرف بالإسلام السياسي. لكن فصائل هذه الحركة بتباين مواقفها تجاه المرأة ظلت تضيق نطاق التعاطي مع هذه القضية فأخذ دعاتها في كثير من الأحيان يروجون للتمييز في الحقوق على أساس أن التقنين الفقهي شرع لعلو مكانة الرجل فحظيت المرأة بقدر أقل من التقدير الذي ينظر به إلى الرجل, وفي ذلك يذكر سيد قطب أن الفطرة تجعل الرجل رجلاً المرأة مرأة, بيد أنه يمضي ليؤكد أن هذا التمييز ليس له أي قيمة عقلية, بينما دفع المفكر الكبير عباس العقاد بحقيقة أن الرجال يستحقون الأفضلية على النساء وفند رأيه باعتبار الرجل معيار يميل إلى صورة النموذج البشري.

والجدير بالذكر أنه وفي إطار ذاته تنبت الكثير من التيارات الإسلامية موقفها من المرأة من منطلق كونها ناقصة عقل ودين, فليس بإمكانها ولا بمقدورها أن تدير شؤون حياتها أو تولي أمورها إلا بتوجيه وإشراف الرجل. وقد استشف هذا المدلول من بعض تفسيرات النصوص القرآنية التي منحت القوامة للرجل جعلت للرجل شهادة امرأتين بشهادة رجل واحد.

وإذا كان يحكم على المقصد الإسلامي بأفعال المسلمين, فيمكن الإقرار بواقع عدم المرأة بالرجل في الإسلام, لكن القبول بعدم المساواة كأساس للإيمان بالإسلام يتطلب وجود دلالة صريحة, مع الأخذ بالاعتبار إشكالية التفسير الديني الذي أخفق أحياناً في مواكبه متطلبات التحديث فأحدث خللاً في شرح بعض الأحكام وغاياتها( ), لاسيما وأن جوانب هذا التفسير تستدعي بالضرورة تمثل العلم (بأسباب النزول) الذي ينبغي توخي الدقة في قياسه لمناسبة الآية الكريمة التي نزلت فيها, كما أن طبيعة الإسلام العالمية تفترض تجاوزه للتاريخ حيث أن موقعه في مرحلة من التاريخ لا يستنزف أبداً أثره العملي.

إن اعتبار أي جزء من النص القرآني عالمياً غير مختص بمكان أو زمان بعينه يعني أن يتم وضع أساس أوسع للفهم والتطبيق مستمد من خصوصية البيئة القائمة في القرن السابع الميلادي الواردة في الكتاب الكريم, ففي الساحة الاجتماعية لابد من إقامة علاقة متبادلة بين عادات ثقافية وتاريخية معينة كانت سائدة آنذاك كانعكاسات المتعددة لتلك المبادئ في أوساط حضارية وتاريخية أخرى, باعتبار ذلك يعتبر اقتراحاً معقولاً من أجل الاتباع المستمر لهدى النص القرآني( ).

لقد كرست بعض مواقف وأدبيات الحركة الإسلامية ثقاف إرهاب النساء وانتقاص مكانتهن من خلال تعميم مضامين التحريم وتبني مفاهيم دخيله على الإسلام بدلالاتها الغامضة ومعانيها المستعصية على العقل فأخذت تصوغ حجج ضعيفة لدى إشاعة قيم اللامساواة في أحكام القوامة أو الولاية أو الشهادة أو عدم جواز سفر المرأة بدون محرم أو حتى في اشتراط وجود الولي لصحة عقد الزواج دون اعتبار لعامل السن إلى تأثير التفسير الديني السلبي الذي يتسرب إلى مسام العقل الاجتماعي التقليدي ليفرز سمومه في ثنايا قضايا المرأة.

إشكالية الخطاب الإسلامي تجاه المرأة:

إن الخوض في غمار المفاهيم التي يشتد حولها القلق( ) في الخطاب الإسلامي العاصر يقودنا بالضرورة إلى إثارة قضية المرأة ودورها الاجتماعي العام, وجدلية تفاعلها مع فرضيات ومتطلبات الواقع بكل إرهاصاته وتعقيداته والتي عكست مدى الارتباك الملحوظ في إشكالية التعاطي مع هذه القضية داخل إطار المنظومة الثقافية الإسلامية.

وعلى الرغم من أن المساحة التي أحتلتها قضية المرأة في الأدبيات الإسلامية تعد كبيرة قياساً إلى عمقها وعنصر الجدة فيها حيث لا تستشف الرؤى المبدعة إلا قليلاً, حتى أن كثير من هذه الكتابات قد أتسمت بالتكرار والتقليدية والسطحية في بعض الأحيان( ), عوضاً عن أنها ظلت تعبر عن خطاب ذكوري ضيق محكوم لزاماً بمنهج نقدي ينفذ واقع النساء عند الشعوب القديمة والظلم علق بحياة المرأة العربية في العصر الجاهلي( ), بحيث يتخذ من ذلك معياراً يقيس على هداه حجم المتغير النوعي في الحقوق التي اكتسبتها المرأة خلال العقود الأخيرة.

ويأتي تعليق د. يوسف القرضاوي رداً شجاعاً على هذه النمطية في تناول قضية المرأة فيقول:

(( قد شكا إلي بعض الأخوات مللهن من الكتابات والمحاضرات التي تلقى في المؤتمرات والمنتديات وتدور كلها حول المرأة وحقوقها ومكانتها في الإسلام, وهي قضايا تكررت حتى ليخيل للمتابع لها أنها توقفت عند نقطة معينة )).

وحقيقة القول أن المرأة تباطأت عن اللحاق بركب الجدل الفكري المتسارع حول قضيتها وغابت مراراً لأسباب معرفية أو منهجية عن التصدي لإشكالية التفاعل مع وجودها الإنساني بعيداً عن التابوهات الثقافية والمحاذير الاجتماعية.

ويعتقد البعض( ) إن مشكلة العمل النسوي تمكن في كون الرجال على وجه العموم إسلاميين أو سياسيين يتسابقون لوضع آليته فيقودنه ويوجهونه. ويحرصون على أن يظل زمامه بأيديهم ولو بطريقة غير مباشرة, فلا يتركون للمرأة فرصة بناء قدراتها أو صهر مهاراتها إلا في إطار الذي يقننه المجتمع الذكوري مستغلين ثقافة النكوص عندها وكذلك بعدها عن مراكز القرار, الأمر الذي جعل قضيتها النسوية أسيرة لأطروحات وتفسيرات العقل الذكوري حتى في أدق تفاصيلها, مما رتب لإقصائها عن المساهمة الدعوية والفكرية في قضايا الأمة عموماً.

الجدير بالذكر أن هذا الضعف في نشاط المرأة لا يقتصر على الحركة الإسلامية بل يمتد إلى واقعها في مختلف القطاعات والمؤسسات على مستوى الدول والمجتمعات, فقد جاء في تقرير الأمم المتحدة للعام 1995م إن وضع المرأة لا يزال يعاني ضعفاً وإن مستويات النمو والتقدم لديها بطيئة ومحدودة.

تطور الخطاب الإسلامي:

إن استقراء مدلول الخطاب الإسلامي يكشف في كل الأحوال عن مدى قدرته على الفعل وأهليته لاستيعاب متطلبات العقل الإنساني وقد جاء في السنة النبوية الشريفة قوله r: ( إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها ) أخرجه أبو داؤود, وهذه دعوة تكرس مفهوم الحركة لا الجمود, التفاعل لا السكون والمشاركة لا العزلة, وذ ليس هناك تناقض بين اكتمال الدين بتمام الوحي وختم النبوة والرسالة وبين التجديد الدائم لهاذا الدين وإحياء روحه.

وهذا يعني إن عملية النهوض الحضاري لا يمكن أن تتحقق إلا عن طريق المعرفة المتجددة والمتطورة.

ومن المهم الإشارة في هذا المعنى إلى أن التجديد الذي يستهدف إعادة قراءة الأحكام الشرعية إنما يستلم النص الديني في ثوابته الأساسية, على أنه في الوقت نفسه من شأنه أن يضفي على هذه القراءة المتجددة روح العصر فيصبح لكل عصر ولكل مرحلة زمنية سماتها وظروفها الميزة لقراءة النص الإسلامي( ).

لقد تشكل الخطاب الفقهي تجاه المرأة في إطار التعاطي مع المشكلات والتساؤلات التي ظل يطرحها النمو المضطرد للعقل في عملية تمكينه من التفاعل مع مؤشرات التبدل المجتمعي, وقد سار هذا الخطاب وفق منهج القياس, كما خضع الاجتهاد للمتغير الظرفي الذي أحاط به, وهو الأمر الذي يعكس حقيقة ازدهار هذا الخطاب وقت ظهور المذاهب الفقهية الكبرى وتصاعد حركة الاجتهاد والتفكير, ويفسر من جانب آخر كون هذا الخطاب قد شهد ضعفاً ملحوظاً, غير أنه شهد ضعفاً ملحوظاً وتكرار ونقلاً وتناقضاً عندما تعرضت الحركة الفقهية لعوامل الاهتراء المجتمعية العامة في عصور التدهور والاضمحلال الحضاري.

والجدير بالذكر إن الحركة الفقهية ما أن مرت بحالة مخاض حتى عادت لتبعث نشاطها النهضوي, إذ شهدت بداية دعوات التجديد التي تبناها بعض علماء الدين المصلحين ودعاة التنوير تحت مظلة أم ما وصلت إليه الأمة من تخر ونكوص لن تستطيع التخلص منه إلا بتجديد الفكر الديني والتخلص مما علق بها من الأوهام والخرافات التي انصهرت داخل مكون المفهوم الإسلامي( ).

الحقيقة أن هناك جدل يدور حول تصنيف ومسمى التيارات الإسلامية, ويبقى أننا رجحنا كفة الآراء التي قسمت اتجاهات الفكر الإسلامي وفقاً لمواقفها من كثير من القضايا الحياتية, لاسيما قضية المرأة حيث جدت في عصرنا أمور معقدة ودقيقة, لم يخطر ببال الأئمة السابقين بحثها وتحليلها بما يخدم احتياجات المرحلة الزمنية التي تتعلق بها, وكان لابد أن تتصدى لها الحركة الفقهية وأن تواجهها باجتهادات تجمع بين محكمات الشرع ومقتضيات العصر فتوازي بين جزئيات النصوص وكليات المقاصد, لكن هنا كل تيارات أبت إلا أن تتمحور حول مبادرات ضيقة لا ترتقي إلى مستوى الدور الذي يليق بالفقه الإسلامي القيام به وأخذت تمارس سطوة فكرها الظلامي على كل مناحي حياة المسلمين وأعلنت نفسها وصية على الإسلام والمسلمين فركنت إلى أسانيدها المهترئة ومارست بطش التفكير الهدام على القيم المعاصرة ووجدت في مناخ الجهل والتخلص الاجتماعي والعادات والتقاليد البالية مرتعاً لاستفحالها فانتشرت كفيروس خبيث في جسم الشعوب الإسلامية, وأضحت تشكل خطر على سمو ونقاوة النص الشرعي الذي أسس لقيم المساواة وكرس مبادئ العدل بين أبناء البشر عموماً.

قراءة في موقف الفكر الإسلامي الأصولي:

يرى كثير من العلماء أن كلمة أصولية في تركيبتها اللغوية وفي تعاليم أي دين سماوي إنما هي كلمة محببة ومحمودة ولا لبس عليها من هذه الناحية وهي تعني الشمولية والتوازن والعمق اليسر وقد عرف للفكر الأصولي أربعة تيارات وهي:

التفكير, العنف, التشديد, الوسطية( ).

ومن المعروف أن بعض التيارات الأصولية قد اتصفت أحكامها على وجه العادة بالتهور والاصطدام بالمجتمع والاستعلاء عليه والانسحاب من ميدان الإصلاح والتغيير, مثل تيار العنف والتفكير والهجرة وكذلك تيار التعصب الضيق والانغلاق والتشرذم.

وهذا الفصيل الأصولي عرف بالتنفير في الدعوة التعسف في الفتوى والخشونة في التعامل والحرفية في الفقه, فهم ينكرون التجديد في الدين ويعتبرونه مساس بثوابت العقيدة.

وقد تركز خطاب هذه الحركات على تحميل المرأة مسئولية الصعوبات التي يمر بها المجتمع, فالدعوى إلى المساواة من شأنه أن يرتب حقوق للنساء تتجاوز الحدود المعيارية التي تحجم هذه الحقوق.

إن نضوج وصعود نجم الفكر الإسلامي المعتدل كان بمثابة إعادة الاعتبار لفقه التجويد الذي يعول كثيراً في هذا الزمن حيث يتعرض الإسلام لهجات قاسية استهدفت عالميته وديناميكية أحكامه وتمثل روحه لمقتضيات أي عصر, ويتحمل بعض دعاة الفكر الأصولي المنغلق المسؤولية عن التقصير في إحياء جوهر الدين الإسلامي وإهمال التوازن بين النصوص الجزئية والمقاصد الكلية للشريعة فوقعوا في التشديد على العباد وضيقوا على المكلفين, ولم يتعرفوا برسالة الاجتهاد وقد جعل الله للمجتهد أجراً إن أصاب وأجر إن أخطأ إلا أنهم أثروا الدخول في معارك ساخنة ضد المجددين واعتبروا الخوض في أحكام الشرع إنما تغيير وتشويه للعقيدة وظلوا يبثون سمومهم في اتجاه المساس بحقوق المرأة ويرجون للانتقاص منها, حتى إن أطروحاتهم وتفسيراتهم قد طغت وامتدت إلى المؤسسة السياسية, كما أسهمت في صياغة ما يسمى بالثقافة الذكورية التي ترعرعت في أحضان تقاليد وأعراف بادئة, فأخذت تسوق لشعارات المجتمع الأبوي, دون أدنى اعتبار لمبادئ الإسلام التي سارت بين الرجل والمرأة في جملة التكليف والجزاء, ولم يألوا أهمية لقول الرسول r ( إنما النساء شقائق الرجال ), إذ كيف يجري الحديث من وجهة نظرهم عن المساواة وقد خالف الله سبحانه وتعالى بين الرجل والمرأة في الميراث والشهادة والقوامة.

إن ما يبعث على القلق في هذا الجانب هو النزعة التي تنسب فيها التفسيرات إلى القرآن الكريم بدلاً من نسبتها إلى مفسريها, فعندما يؤكد المفسرون على فكرة العدالة الاجتماعية المرسخة في القرآن الكريم, فإن ذلك لا يعني مساواة المرأة بالرجل, وهذا أشبه بدستور يقول أن كافة الناس خلقوا متساويين دون أن يقصد على الإطلاق تضمين المساواة بين البيض والسود( ).

التيار الإسلامي الوسطي:

يعتبر هذا التيار أوسع التيارات الإسلامية قاعدة وأرسخها قدماً وأطولها عمراً, وهو يقوم على عناصر ثلاثة: التيسير والتجديد والاجتهاد ومن رؤى هذا الفكر المعتدل التعويل على أت تجديد الدين من شأنه أن يجدد العقول بالمعرفة والقلوب بالإيمان فتملئ الحياة كلها بالحركة والتقدم.

ومن أبرز مظاهر إحياء الدين هو الاجتهاد فيه, وهو باب مفتوح إلى يوم القيامة ولا يملك أحداً أن يغلقه, إلى تراثنا الفقهي يؤكد إن الاجتهاد كان موجوداً في كل عصر.

والحقيقة أن الوسطية تقوم على تعزيز المفاهيم المتوازنة في الجهة والنزعة, فهو فكر فاعل ومتفاعل في التعاطي مع المستجدات والاستحداثات في مختلف النواحي الحياتية, ويعتمد في منهجه على النظرة المعتدلة البعيدة عن العلو والمغالاة في التحريم, حتى لكأنه لم يعد في الحياة حلال قط.

ويؤكد كثير من علماء المسلمين( ) إن الشواهد تدل عل أن المستقبل لتيار الوسطية, فهو الذي يملك القدرة على مخاطبة الناس بلسان العصر ويملك القابلية على تطوير نفسه باستمرار من خلال فتح كل قنوات الحوار مع الأخر.

ومن المعروف والمؤكد اليوم إن هذا التيار قد اختار نهج التغيير الفكري والتربوي والحضاري, ويقدم قراءات مضيئة للدين الإسلامي تخدم المقاصد الكلية التي يدعو لها وتحقق انتشار فعلي لعالمية رسالته.

ولما الإسلامية كان موضوع المرأة من أكثر القضايا التي أثارت جدل كبير بين التيارات الإسلامية المختلفة, فهناك اتجاه ينتصر لحقوقها واتجاه أخر يروج لدونيتها وانتقاص مكانتها من خلال الدعوة إلى تعميق ثقافة التمييز.

ومن أجل الكشف عن حيثيات هذه المواقف المتباينة والتعاطي مع إشكاليات حقوق المرأة, فقد التركيز على بعض على بعض المسائل الخلافية التي تحتل مساحة واسعة في واقعنا الثقافي والاجتماعي المعاصر, وباعتبارها مشكلات حقيقية ومتجذرة في الخطاب الإسلامي وذلك على سبيل المثال لا الحصر.

موقف الحركة الإسلامية من عمل المرأة:

احتلت المرأة مساحة كبيرة في أجندة الفكر الأصولي وأتسم خطابها بالرجعية, إذ تنبت أطروحات مثيرة للقلق كالدعوة إلى ما يسمى بالصحوة لاسيما بعد انتشار ظاهرة العودة للسلف الصالح وما يمكن أت ترتب عليه من تغيير في المفاهيم, فتصدر موضوع خروج المرأة للعمل قائمة محاذيرها من خلال إضفاء ذلك الريق الخرافي على الوظيفة الأزلية للأنثى كمربية للأطفال أو راعية لشؤون المنزل, وهي وظيفة محل فحز المرأة ولابد أن تكون جديرة باحترامها, وعليه فقد أصدروا فتاواهم التي تدعو المرأة للعودة إلى البيت بعد أن حرموا عليها العمل مع الرجل أنه سبيل إلى الفتنة وتفشي العلاقات غير الشرعية بسبب الاختلاط وجلوس النساء لأوقات طويلة مع رجال غرباء, وأخذوا يصوغون الأثار السلبية الناجمة عن غياب المرأة عن المنزل وضياع الأولاد والتفكك الأسري, على أساس إن الإسلام لم يشجع انساء قط على ترك رسالتهم الأجدر بالأهمية كأمهات وزوجات ينشغلن بتأدية واجباتهن تجاه الزوج والأولاد.

لقد تركز خطاب الأصوليين على تضييق الخناق على فرص حصول المرأة على الوظائف من خلال تحميلها مسؤولية الصعوبات التب يمر بها المجتمع بسبب مزاحمتها الرجل في سوق العمل وانتقاص حظوظه في المجال, والحال إن الرجل يظل هو ولي لأي أسرة, والأصل أن تبقى المرأة متكلة عليه, لا أن تنافس النساء الرجال في العثور على الوظائف بينما يقف الآلاف منهم في طابور البطالة.

وخلاصة القول إن هذه الدعوة إنما هي رؤية جديدة لتقسيم العمل الاجتماعي حيث تقصر دور المرأة على الإنجاب والأمومة, وأقصى ما يمكن توقعه في هذا المعنى هو قبول النشاط الاجتماعي النسائي المستقل في مجالات العمل الأهلي ذي الطابع الخيري, وهو صوت يحذر المرأة من مغبات العمل خارج المنزل ويحرضها على التخلي عن الطموحات التي لا تحاكي الواقع. لكن ثمة اختلافاً بطبيعة الحال بين موقف التيار السلفي وموقف التيار الوسطي كمدرسة (الإخوان المسلمين) الذي لا يتخذ موقفاً معارضاً من اشتغال النساء خارج غير أنه يضع جملة محاذير على مناخ العمل وآليته ويطالب بمراعاة الواقع الاجتماعي بحيث لا يشكل عملها في الخارج أي خرقاً لواجباتها العائلية أو مساساً بدورها كأم وزوجة صالحة, وهو تدخل محدود إلى حد ما يخدم الثقافة الذكورية أكثر مما يحرر المرأة من أعباء ازدواجية المهام المناطة بها داخل المنزل وخارجة, مما يعكس نفسه سلباً على بناء قدراتها وتطوير مهارتها الفنية أو الإبداعية والتي تؤثر على متطلبات التفرد والتأهيل الوظيفي وبالتالي تعثرها في نيل الترقيات أسوة بفرص الرجل, كما أن هذه الازدواجية تستنزف طاقات المرأة الذهنية والنفسية عوضاً عن متاعبها الجسدية والصحية.

الموقف من المشاركة السياسية للمرأة:

عارض التيار الأصولي المتشدد المشاركة السياسية للمرأة قياساً إلى عدم استحسان الإسلام لوصول المرأة إلى سدة الحكم تحقيقاً لقوله تعالى: ﭽ ﭶ ﭷ ﭸ ﭼ ( ) وما كان عليه نساء السلف من عدم التدخل في السياسة, فأعتدوا بعدم ولاية المرأة لاسيما الولاية العامة على أساس إن جاء في الحديث النبوي الشريف (ما فلح قوم ولو أمرهم امرأة) إنما هو إعلان صريح بعدم جواز إشراك المرأة في النشاط السياسي دون اجتهاد لدلالة الحديث وإسقاط مناسبته وأسبابه, كما اعتبروا مبايعة النساء في عهد النبي r إنما كانت مبايعة عقيدة ولم تكن تعبير سياسي خلافاً لمبايعة الرجال للنبي الكريم والتي اتسمت بإجراءات مغيرة.

يرى كثير من المفكرين الإسلاميين الوسطيين( ) في الآية الكريمة ﭧ ﭨ ﭽ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﭼ ( ) إن الله قد أثبت للمؤمنات الولاية المطلقة مع المؤمنين فيدخل ولاية الإخوة والمودة والتعامل المالي والاجتماعي وولاية النصرة الحربية والسياسية.

وقد أقرت الحركة الإسلامية المعتدلة للمرأة حقها في المشاركة السياسية, بل قد ترجمت تلك الرؤية في برامجها الانتخابية ودفعت بعناصرها النسائية إلى انتخابات هيئاتها التنظيمية على مختلف الأصعدة, كما شجعت جورها في العملات الانتخابية البرلمانية والمحلية مثل (التجمع اليمني للإصلاح في اليمن).

الموقف من حجاب المرأة:

إن مسألة حجاب المرأة المسلمة أصبحت تفرض نفسها على العقل الإسلامي وعلى العقل غير الإسلامي, لاسيما بعد تجاوز هذا الموضوع حساسيته في تعميق النقاش الدائر حوله في كثير من المنتديات والبرامج كما يعد طرحه على الطاولات المستديرة ودخوله كعنوان بارز في مهارك ساخنة بين دعاة الفكر الديني المستنير وعلماء الدين الأصوليين قد رفع عنه تلك الهالة التي وضعته في خانة الثوابت ليس باعتباره فريضة إسلامية بل كونه عين وهو ما يعني النظر إليه كفرض لازم على كل امرأة وفتاة بالغة, وبالتالي فقد نتج عن هذا الحكم اتهام المرأة أو الفتاة التي لا تحتجب بالطريقة التي تفرضها تلك الجماعات بالخروج عن الدين, مما قد يستوجب الجزاء الذي قد يصل إلى ذات العقاب المنزل في حالة الإلحاد ألا وهو الإعدام, على أساس أن مخالفة هذا الحكم الشرعي قياساً هو مدعاة للتفكير.

وإذا كان الخمار لغة كما جاء في (لسان العرب, المعجم الوسيط) هو مادة حجب وهو في نفس المعنى السائر وحجب الشأن أي ستره ويقال امرأة محجوب أي قد سترت بستر( ).

وقد نزلت الآية الكريمة: ﭧ ﭨ ﭽ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﭼ.

وعلة الحكم في هذه الآية لدى كثير من المفسرين المستنيرين هس تعديل عرف كان قائماً وقت نزولها حيث كانت النساء يضعن (أغطية) على رؤوسهن ثم يسدلن الخمار وراء ظهورهن فيبرز الصدر بذلك, فجاءت الآية قاصدة تغطية الصدر بدلاً من كشفه, دون أن توجه الآية إلى حديد زي بعينه.

ويؤكد بعض علماء الإسلام الوسطيين أن القصد الحقيقي من وراء النص هو وضع فارق أو علامة واضحة بين المؤمنات وغير المؤمنات ومفاد ذلك أن الحكم في كل أمر حكم وقتي يتعلق بالعصر الذي فيه هذا التمييز وليس حكماً مؤبداً( ).

وقد أكدت الشواهد على أن المرأة في عهد الرسول r, لم تكن تضع النقاب لتغطي وجهها, بينما نرى اليوم دعاة الفكر الإسلامي المتشدد يصورون ارتداء المرأة للنقاب اكتمالاً لنظام الزي الإسلامي للمرأة, حيث منح هؤلاء النقاب دلالة رمزية ومدخل لتغييب المرأة وطمس شخصيتها ومصادرة ملامحها الإنسانية من منطلق أن وجه المرأة عورة وأن كشفه بالتالي مثاراً للفتنة.

ويرى بالمقابل علماء الإسلام المعتدلين أن فكرة عزل المرأة عن المجتمع وتشديد الوطأة عليها الخناق حولها عن طريق إلزامها زياً غير عملي يثقل عليها حركتها لابد انه مستبعداً تماماً لبعده عن روح الإسلام الحقيقة.

خلاصة القول إن الإسلام كدين أحدث ثورة اجتماعية جذرية في الحقوق والمفاهيم فرسخ قيم الخير والنقاء ودعا إلى تمثل السمو والصفاء ودعا إلى البعد عن الابتذال والفحشاء وهو أكثر ما نحتاج إليه كأسس مجتمعية سوية.

الموقف من تعدد الزوجات:

يعتقد بعض المفكرين الإسلاميين المعتدلين أن الأصل في نظام الزواج يقوم على الزوجة الواحدة, حيث إن الإسلام لم يوجب تعدد الزوجات ولم يبطله بالقدر الذي عدله وهذبه وعلى خلاف ذلك يرى الاتجاه الفقهي الأصولي أن نظام التعدد لم يبن استثناء بل هو مبدأ أصيل, وعليه فليس هناك حرج في ممارسته ولو كان من أجل المتعة وحدها باعتبار أن الإذن شرعي بإباحته للرجال فقط.

وينتقد مؤيدو هذا نظام الزوجة الواحدة ويعتبرونه دعوة لإشاعة النفاق الاجتماعي, على أساس أن هذا التقييد يخلق دافعاً لإقامة الصلاة السرية وينشئ سبباً لانتشار العلاقات غير الشرعية التي تحكمها الأنانية وينوء تحت ثقلها التخاذل والهروب من المسئولية بدلاً من الالتزامات التي يفرضها رباط الزوجية كميثاق علني يترتب عليه الإحصان والتكاثر وتكوين أسرة, فخطب الكثير من دعاة تعدد الزوجات لهذا الحلال وتغزلوا به وأغرقوا مآثر الرجال ببطولات وهمية تعلي هذا النظام وحكمته في مسايرة قوانين الطبيعة ومراعاة الفطرة الذكورية لملاءمة تكوين الرجل أو احتياجاته الحسية إلا لكونها أدنى الأسباب اعتباراً ودرجة وقد كان للرسول r منهج في هذا الشأن أقدر على التصدي للحملات الباطلة التي تشكك في النظام الإسلامي ومقومات خلوده كتنظيم اجتماعي في كل زمان, لو أن علماء الدين الأصوليين الذين أثروا الحجج الواهية والحكم السقيمة قد أعتلى أحدهم المنبر وأطلق لغيرته العنان ليصرخ ملء صوته أن تعدد زيجات النبي الكريم لم يكن طمعاً في المرأة أو سعياً وراء رغبة, إنما هو أمر خاص به وحكمة ذلك أنه مبدأ تأليف أمة ونشر دين جديد وبناء دولة أونه لم يتزوج بكراً إلا عائشة, والسنة لا تعني مجرد التقليد أو التشبه إنما هي منهج وطريقة, فإذا أراد أحدكم الزواج بأخرى فعليكم أولاً بالأرامل وأمهات اليتامى لتكرسوا الكفالة في أصدق مشاهد العدل الرباني, ومن لم يرد فعليه أ يستطلع القيود الواردة على إباحة التعدد, فإذا لم تعان زوجته العقم ولم تشك مرضاً مزمناً أو معدياً ولم يظهر ضعفاً أو شيخوختها فليقرأ عدة نص الحكم القرآني ﭧ ﭨ ﭽ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭼ وفيه تحذير على استعصاء تحقيق العدل والتوريث قبل الوقوع في الحرج وبالتالي التأثيم عليه. وإذا كانت التفسيرات قد حددت المساواة في الحقوق المادية فقط بحيث يستطيع الزوج أن يعدل في الانفاق والسكن والمبيت وحسن المعاشرة وحقوق الزوجية فقد اشترط الأمن من الظلم وفي هذا إظهار أن دائرة إباحة التعدد قد ضيقها النص تضييقاً شديداً حتى جعل مجرد الخوف من الظلم موجباً الاكتفاء بزوجة واحدة وأم المساواة في الحب والمشاعر فقد تم تعليقها على حجة مل لا يملكه الإنسان أو يقدر عليه.

إن آلة الدعاية المجمعية الصدئة التي تعمل مخلصة في الترويج لتعدد الزوجات كنظام مثالي درء للفاحشة أو إسهاماً في معالجة شكلة زيادة عدد الإناث يجب أن تتحطم أمام الخطاب التصحيحي وعلى طوق النجاة من وهم الكمال وخدر الخيال الذي يدفع البعض إلى تعاطي عقار الصبيان وارتكاب حماقات الكبار بسبب تأثر جرعات مكثفة من هرمون الفحولة أن يرتطم بعاهات الوجدان وقبح المصالح, فلا هالة من الجمالية التراثية على وحش شهرياً في آلف ليلة وليلة الذي ينشب أنيابه دون رحمة في تاريخ الثقافة العذرية ولا قراءة لمانشيتات تجارية تسوق لنمطية استهلاكية في ارتباط المرأة بالرجل فتوسمها بالزواج تزلفاً وتضفي تكييفاً شرعياً على صداقات المسفار وعلاقات الفرندز أو غطاء على نزوات الصيف أو ما يعرف بالزواج السياحي وغيرها من الطفيليات الناشطة لتمنحها مناعة ضد الوقوع في شرك المحظور.

الخاتمة:

إن حركة تجديد الدين الذي جاء به دعاة الفكر الإسلامي الوسطيين في مجال حماية حقوق المرأة لم يقابل قط بتفهم أو بترحاب, لأن هذه القضية ارتبطت في العقل العربي منذ العصر الجاهلي بالعرض والشرف والمصالح المادية, وكذلك بإشكالية التقسيم الاجمالي للعمل وتوزيع الادوار النمطية بين الرجال والنساء, فظل الدخول في ثنايا هذا العالم محاط بخطوط حمراء وحواجز شائكة تجعل مجر إثارته أشبه بفتح بوابة النار على مصراعيها في أي زمان ومكان.

وقد أكدت الدراسة إن الوقائع التاريخية تثبت حقيقة العزوف دائماً عن التعاطي مع خطاب التجديد تجاه حقوق النساء فعارضوا كثير من الأحكام التي عززت من قيمتها وقدرت مكانتها حيث كرهوا أن تستأمر الفتاة في من تتزوجه, واحتجوا على صلاة النساء في المساجد, واستهجنوا آية الملاعنة, وحاولوا التخلص من أحكام الميراث, وهو الأمر الذي يؤكد أن معاناة المرأة العربية ممتدة عبر الزمان وأن طوق النجاة موصول بفقه التجديد وتجاوز الصراع الفقهي لحدود المسائل الخلافية إلى تفعيل حركة الاجتهاد بعيداً عن السكون والمحاذير الضيقة, فإشكالية مثل الطاعة ويقصد بها طاعة الزوجات لأزواجهن على سبيل المثال تفترض دراسة سياقية منطقية حتى في إطار ارتباط مفهوم الطاعة بالإنفاق والخروج من عنق الزجاجة في حكم تأديب الزوج للزوجة باعتباره من المسائل التي لا زالت محل جدل, لاسيما وقد حمل بعض المفسرين على عاتقهم مهمة تبرير العنف الموجه ضد المرأة كهدف لتقويمها وإصلاحها وعناوين كثيرة عريضة ننتظر أن يتصدى لها علماء الإسلام المستنيرين.

والحق إن الإسلام لم يوجب نظام تعدد الزوجات ولم يمنعه بصورة مطلقة, فقد عُرف من قبل عند أغلب الشرائح, وكان العرب في جاهليتهم من أكثر الأمم تعدداً للزوجات, فجاء الإسلام ليتوسط في الأمر وجعل لتعدد حداً لا يتعداه وأحاطه بشروط تنفي ما ينجم عنه من أضرار, فذهب بعض المفسرين المتشددين إلى تنفيذ حكمة الشارع U من التعدد بحماية الرجل من الانجراف في براثن علاقات غير شرعية ولضمان نسبة الأبناء إلى آبائهم, وذهب دعاه أخرون إلى ترويج الخاصية الاجتماعية التي تظهر غاية التعدد في حل مشكلة الخلل في تركيبة النوع الاجتماعي.

إن استقراء الصورة العامة لوضع المرأة في كثير من البلدان العربية ومنها اليمن يكشف بلا أدنى جهد أن حقوق النساء تتخبط في دوامة الصراعات والتناقصات فتتجاذبها الضغوط والإملاءات التي تمارسها قائمة جلادي الموروث الاجتماعي الضيق وسلسلة طويلة من متملقي المفاهيم التمييزية.

أن يشرع التقنين الفقهي في اليمن كغيره من الدول العربية لعلو مكانة الرجل, فإن تلك حقيقة لا يمكن تجاهلها أو الإفلات من مترتباتها, حيث يستخدم جانب من الفقه الإسلامي في تمرير مدلولات محددة من الكتاب والسنة وإسقاط تفسيراتها العامة, كما يوظف الفكر التقليدي قراءات من التاريخ لتعزيز الفوارق بين الرجل والمرأة حتى أضحت تلك الثقافة التمييزية من علامات المجتمعات العربية ومنها المجتمع اليمني.

إن إغفال الآيات القرآنية الكلية المقرة لمبدأ المساواة يعد ظلماً للمرأة وتكريساً للمفاهيم الدونية دونما وجه حق, كما إن قراءة النصوص الشرعية من زاوية اجتهادية تفرض مساحة واسعة للخلاف من ناحية, وتتيح المجال لتغليب خطاب العقل من خلال تبني الاتساق الفعلي بين القوانين والوضعية والاتفاقية العالمية للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة “سيداو” وإحداث طفرة نوعية في تنمية المرأة والنهوض بها إلا بتصحيح المنظور الديني الضيق الذي بات سيف على رقبة المرأة, فكلما اجتهدت بفك قيود أسرها وعلى صوتها ملئ صدرها ردتها فلول الجهل واستهدفها دعاة التخلف وهو يحملون راية الحكم الشرعي الذي يتعرف للرجل بمكانة متميزة كحق القوامة وهو حق مقيد بضوابط شرعية فلا يوجه هذا الحق إلا لإشاعة قيم عدم المساواة.

ومن هنا كان تصحيح هذا المنظور هو أولوية متقدمة, حيث يتطلب أولاً إرادة سياسية تدعم التدابير الاجتماعية وتعزز التغيير الثقافي لتنشئة الأجيال على رؤية أكثر إنسانية في التعاطي مع قضية المرأة من خلال إعادة صياغة رؤية المناهج التعليمية التي كانت ولا زالت تفسر خروج آدم من الجنة باعتبارها اللعنة الأبدية بجنس النساء ووفق هذا المنظور التاريخي شطحت المقولات وهدرت الأساطير والتأويلات وصبت غضبها نحو صورة شيطنة المرأة حيث حولها الموروث الثقافي إلى شر لا نهائي ورمز لفتنة أزلية.

ومدلول كل ذلك يضعنا أمام النتائج التالية:

النتائج:

1- إن الخطاب الإسلامي تجاه المرأة تغير إلى حد ما في العقد الأخير من القرن العشرين, وأضحت أطروحات بعض الفصائل في التغيير تشكل عامل إنهاض في واقعنا العربي المعاصر وإن لم يكن بمستوى الطموح.

2- إن الحركة الإسلامية عجزت بكل فصائلها عن طرح قضية المرأة طرحاً إسلامياً مستقلاً, بحيث يتجلى الدور المناط بالمرأة على أساس هدي الإسلام بعيداً عن ضغوط التقاليد البالية وإملاءات الموروث الثقافي السلبي.

3- إن الحركة الإسلامية تتحمل إلى حد ما المسؤولية عن تهميش وإقصاء المرأة المسلمة عن المشاركة في النشاط الاجتماعي العام, وعدم منحها الثقة للمساهمة في إداء المهام الملقاة على عاتق هذه الحركة.

4- ضعف المشروع التربوي والاجتماعي الذي يؤسس لثقافة إنسانية قائمة على أساس تعزيز مفهوم النوع الاجتماعي وتكامل الأدوار في ظل الشراكة المجتمعية.

5- إن إشكالية غياب القدرات النسائية التي تفرز زعامات نسائية في ميادين الدعوى والعلم والفكر والأدب إنما هي انعكاس لغياب المناخ الصحي والملائم لتمكين المرأة من النهوض.

6- إن المؤسسة السياسية الرسمية تتخبط في موقفها من المرأة بين خطب ود المشروع الدولي لحقوق الإنسان, وبين الارتماء في أحضان الفكر الإسلامي الأصولي.

المراجع:

1- د. آمنة داؤود, القرآن والمرأة (إعادة قراءة النص القرآني من منظور نسائي), مكتبة مدبولي (عربية للطباعة والنشر), القاهرة, 2006م.

2- جمال البنا, الحجاب (الطبعة الثانية مزيدة ومنقحة), الأحياء (دار الفكر الإسلامي), القاهرة, 2006م.

3- أ. د. سعيد إسماعيل علي, الخطاب التربوي الإسلامي سلسلة كتاب الأمة, وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية, قطر, ربيع أول 1425هـ, السنة الرابعة والعشرون.

4- المستشار محمد سعيد العشماوي, حقيقة الحجاب والحديث, الكتاب الذهبي (مؤسسة روز اليوسف), 2006م.

5- الشيخ محمد عزت الشريف, دور النساء في عصور الأنبياء, دار عمار للنشر والتوزيع, عمان, 2003م.

6- د. يوسف القرضاوي, مستقبل الأصولية الإسلامية, (سلسلة رسائل ترشيد الصحوة (9), مكتبة وهبة, القاهرة 1997م.